Thursday, October 18, 2012

النظارة السوداء - إحسان عبد القدوس

- كانت تردد له أحيانا مقطعا من شعر "بول جيرالدى" فى كتابه "أنت و أنا":

أحبك .. أحبك .. أحبك ..
إنى مجنونة بك ..
إنى مجنونة .. إنى اقول دائما نفس الكلمات:
أحبك .. أحبك .. أحبك ..

هل تفهمنى؟!!


- و لكن حتى كلمة أحبك حرمها عليها ، فهو يكره أن يقولها أو يسمعها..


- إن الحب أقوى و أقدس من أن يعبر عنه بكلمة توضع على طرف لسان ، إنه عاطفة مقدسة تتمكن من القلب و تتملك النفس حتى يعجز اللسان عن التعبير عنها ، إنما تحسها فى كل خلجة ، و فى كل هزة رمش ، و فى كل دمعة ، و فى كل ابتسامة .. إنه عاطفة تطير بك حتى ليراك كل الناس طائرا دون أن تصرخ فيهم ليروك...

**************



- كان يدعوها احيانا "جوليت" بعد ان قص عليها قصة مدام جوليت ادم، السيدة الفرنسية التى امنت بمصر و حقوق مصر، فوقفت بجانب مصطفى كامل تمده بعونها و تدعو لمبادئه، و تقرع النواقيس فى انحاء العالم للايمان بدعوته.

و قص عليها قصة "ام عبدالله":

"كان المصريون قد الفوا فى ثورة عام 1919 بوليسا وطنيا يسير مع المظاهرات يحفظ النظام فيها، و يسعف الجرحى، و ينقل القتلى ، و اصدر الحاكم الانجليزى امرا باعدام كل من ينضم الى هذا البوليس الوطنى او يقوم بعمله او يحمل شارته .. فانقلب البوليس الوطنى الى بوليس سرى.

و كان عبد الله طفلا فى العاشرة من عمره يقف بجوار باب بيته فى درب الجماميز و هو يحمل قلة ماء ، يقدمها للمتظاهرين ليرطبوا حناجرهم التى شقها الهتاف، و يرطبوا النار التى احالت صدروهم الى براكين.. و كان عمل عبد الله فى عرف الجنود الانجليز عملا يقوم به البوليس الوطنى .. فسددوا فوهات بنادقهم الى قلبه الطاهر .. و قتلوه!


و كانت ام عبد الله تطل من النافذة حين رات جثة طفلها تجندل على الارض ، فكتمت صرختها بين شفتيها، و التقطت قلة ماء اخرى حملتها بين يديها ، و نزلت بها لتقف الى جانب المظاهرة تسقى المتظاهرين ، بينما اهل الحى يحملون وليدها الى داخل البيت ، و لم تكن المظاهرة قد انتهت عندما مرقت رصاصة ظالمة اخرى لتخترق قلب ام عبد الله.

**************


* إحسان عبد القدوس (1919 : 1990)
* من قصة "النظارة السوداء" 1952.

No comments:

Post a Comment