Thursday, September 27, 2012

بليغ حمدى & وردة الجزائرية .. اه لو قابلتك من زمان (1979)

لو كنت شوفتك من زمان .. كانت عينيا اتعلمت
معنى الحنـــان  .. معنى الامـان 
و لا من دموعها أتألمت
وردة
كلمات: عبدالوهاب محمد
موسيقـا: بليغ حمدى
من  أغانى مسلسل: أوراق الورد
أنتــاج: 1979

Wednesday, September 26, 2012

قصيدة ضجعة الموت رقدة - أبو العلاء المعرى

ضجعة الموت رقدة من ديوان سقط الزند يرثى فيها فقيها حنفيا

تمثال أبو العلاء المعرى
مدينة معرة النعمان
أدلب - سوريا
- أبو العلاء المعري شاعر الفلاسفة و فيلسوف الشعراء (973 : 1057) هو صاحب "رسالة الغفران" التى أثرت فى رجال الغرب قبل الشرق هو أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي المعري (363 هـ - 449 هـ)، (973 -1057م)، شاعر وفيلسوف وأديب عربي من العصر العباسي، ولد وتوفي في معرة النعمان في الشمال السوري. لقب بـرهين المحبسين بعد أن اعتزل الناس لبعض الوقت .

- فقد بصره في الرابعة من العمر نتيجة لمرض الجدري. بدأ يقرض الشعر في سن مبكرة حوالي الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره في بلدته معرة النعمان ،عاش المعري بعد اعتزاله زاهداً في الدنيا، معرضاً عن لذاتها، لا يأكل لحم الحيوان حتى قيل أنه لم يأكل اللحم 45 سنة، ولا ما ينتجه من سمن ولبن أو بيض وعسل، ولا يلبس من الثياب إلا الخشن ، حتى توفي عن عمر يناهز 86 عاماً، ودفن في منزله بمعرة النعمان.

- يرثى "ابو العلاء المعرى" فى قصيدة ضجعة الموت رقدة الفقيه أبى حمزة الذى توفى فى شبابه.

- قال أديب العربية طه حسين عن تلك القصيدة : (أعتقد أن العرب لم ينظموا في جاهليتهم وإسلامهم، ولا في بداوتهم وحضارتهم قصيدة تبلغ مبلغ هذه القصيدة في حسن الرثاء).

- و قال عنهاالعقاد : (لم ينظم مثلها في لغة العرب، ولا نذكر أننا اطلعنا في شعر العرب على خير منها في موضوعها).

القصيدة

غير مجد، فى ملتى و اعتقادىى
نوح باك و لا ترنم شاد

و شبيه صوت النعى
إذا قيس بصوت البشير فى كل ناد

أبكت تلكم الحمامة
أم غنت على فرع غصنها المياد

صاح ! هذى قبورنا تملأ الرحب
فأين القبور من عهد عاد

خفف الوطء !
ما أظن أديم الارض إلا من هذه الأجساد

و قبيح بنا ، و إن قدم العهد
هوان الاَباء و الأجداد

سر إن اسطعت فى الهواء رويدا
لا اختيالا على رفات العباد

رب لحدا قد صار لحدا مرارا
ضاحك من تزاحم الأضداد

و دفين على بقايا دفين
فى طويل الأزمان و الاَباد

فاسأل الفرقدين
عمن أحسا من قبيل و اَنسا من بلاد

كم أقاما على زوال نهار
و أنارا لمدلج فى سواد
 
تعب كلها الحياة
فما أعجب إلا من راغب فى ازدياد

إن حزنا فى ساعة الموت
أضعاف سرور فى ساعة الميلاد

خلق الناس للبقاء
فضلت امة يحسبونهم للنفاد

إنما ينقلون من دار أعمال
 إلى دار شقوة أو رشاد

ضجعة الموت رقدة يستريح الجسم فيها
 و العيش مثل السهاد

أبنات الهديل أسعدن
أو عدن قليل العزاء بالإسعاد

إيه ! لله دركن
فأنتن اللواتى تحسن حفظ الوداد

ما نسيتن هالكا فى الاوان الخال
أودى من قبل هلك إياد

- الهديل هو ذكر الحمام وقيل انه طائر كان على عهد نوح عليه السلام صاده جارح من الطير فما من حمامة الا وهي تبكي عليه الى اليوم وهذا من خرافات العرب.

- قبيلة إياد أقدم قبائل العرب التى سكنت العراق و قد اجلالهم كسرى عن ديارهم ، و اياد هو الابن الثالث من أولاد نزار بن معد بن عدنان و هو الجد الثامن عشر للنبى محمد عليه السلام ، فنسب نبينا الكريم المتفق على صحته هو :-

- سيدنا ونبينا محمد سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن حكيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

- وقد نقلت لنا الرويات والسير مسير اياد مع اخوته الى نجران للتحكيم حول قضية الارث الذي لحقه من أبيه نزار وما جرى له ولاخوته من مواقف طريفة وأقوال تنم عن ذكاء وفطنة فطرية.

بيد أنى لا أرتضى ما فعلتن
و أطواقكن فى الأجياد

فتسلبن و استعرن جمعيا
من قميص الدجى ثياب حداد

ثم غردن فى الماَتم
و اندبن بشجو مع الغوانى الخراد

- يقول لهن ان من علامات الحزن نزع الحلى ، و انتن ما تزال أطواقكن فى أعناقكن ، و الاطواق نوع من الحلى ، و الثكل يقضى بنزعها ، فتسلبن ، تسلبت المراة الثكلى اى نزعت ثيابها و لبست سوادا ، و الخراد هم الحسان و الواحدة خريدة.

قصد الدهر من أبى حمزة الاواب
مولى حجى و خدن اقتصاد

و فقيها أفكاره شدن للنعمان
مالم يشده شعر زياد

فالعراقى بعده للحجازى
قليل الخلاف سهل القياد

و خطيبا لو قام بين وحوش
 علم الضاريات بر النقاد

- الاواب : الراجع الى الله ، الحجى : العقل ، الخدن : الصديق ، الاقتصاد: ضد الاسراف.

- النعمان فهو الفقيه ابو حنيفة ، اما زياد فهو النابغة الذبيانى مداح النعمان بن المنذر ، اى انه شاد للنعمان الفقيه من الذكر و الشرف بلطف افكاره ، مالم يشذه النابغة للنعمان الممدوح بحسن اشعاره فى مدحة ثلاثة ملوك بهذا الاسم.

- العراقى : أبو حنيفة ، الحجازى : الشافعى احد اصحاب المذاهب الفقهية.
النقاد : صغار الغنم

راويا للحديث لم يحوج المعروف
 من صدقه الى الأسناد

أنفق العمر ناسكا يطلب العلم
 بكشف عن أصله ، و انتقاد

 مستقى الكف من قليب زجاج
بغروب اليراع ، ماء مداد

ذا بنان ، لا تلمس الذهب لاحمر
زهدا فى العسجد المستفاد

القليب : البئر و قليب الزجاج أرد به المحبرة. الغروب : الواحد غرب : الدلو ، اليراع : القلم ، المداد : الحبر.
العسجد : الذهب ، المستفاد : المكتسب.

ودعا ، أيها الحفيان
ذاك الشخص إن الوداع أيسر زاد

و اغسلاه بالدمع ان كان طهرا
و ادفناه بين الحشا و الفؤاد

و احبواه الأكفان من ورق المصحف
كبرا عن أنفس الأبراد

و اتلوا النعش بالقراءة و التسبيح
لا بالنحيب و التعداد

- الحفى : الصاحب المبالغ فى الحفاوة و العناية.
احبواه : اعطياه . الابراد : الواحد برد و هو الثوب
اتلوا : شيعا.

اسف غير نافع و اجتهاد
لا يؤدى الى غناء اجتهاد

طالما اخرج الحزين جوى الحزن
 الى غير لائق بالسداد

مثل ما فاتت الصلاة سليمان
فأنحى على رقاب الجياد

و هو من سخرت له الانس و الجن
 بما صح من شهادة صاد

- قوله فاتته الصلاة : أن سليمان ابن داود كان قد تشاغل بعرض الخيل التى أصابها حين غزا أهل نصبييين و دمشق ، و عددها الف فرس ، و قيل بل خرجت من البحر لها أجنحة ،  فقعد يوما بعد ما صلى الأولى على كرسيه واستعرضها ، فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس ، و غفل عن العصر ، فاغتم لما فاته ،  فاستردها وعقرها مقربا لله تعالى ، و بقيت مائة ، فما فى ايدى الناس من الجياد فمن نسلها.

- يستوحى الحكاية القرانية فى الاية الكريمة:-
"إنى أحببت حب الخير عن ذكر ربى حتى توارت بالحجاب ، ردوها علىّ وطفق مسحا بالسوق والأعناق".
أما صاد فهى السورة رقم ( ٣٨ ) فى القران الكريم.

خاف غدر الانام فاستودع الريح
 سليلا تغدوه در العهاد

و توخى له النجاة
و قد أيقن ان الحمام بالمرصاد

فرمته به الى جانب الكرسى
 أم اللهيم أخت الناد

- يستوحى الحكاية من الآية الكريمة:  " ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب "
يذكر التبريزى أن سليمان كان يؤثر أن يكون له أولاد فلم يرزق إلا واحدا ، فخشى عليه الآفات ، ولم يثق بأحد من الناس أن يسلمه اليه ، فدفعه الى الريح لتغدوه و تربيه ،  فذكروا أن الريح حضنته تغدوه تر العهاد و هى الأمطار التى يتبع بعضها بعضا   وأنها ألقته على كرسيه جسدا ، أى شيطانا ، وقيل ملكا أو ميتا ولم ينفع بحذره عليه ، كما استوحى  النص القرآنى " ان ربك لبالمرصاد" ، أما أم اللهيم و الناد فمن اسماء الداهية او كنية الموت لالتهامه الخلق و يريد ان الريح لم ترد الموت عن ولد سليمان.

كيف اصبحت فى محلك بعدى
يا جديرا منى بحسن افتقاد

قد اقر الطبيب عنك بعجز
و تقضى تردد العواد

وانتهى اليأس منك و استشعر الوجد
 بأن لا معاد حتى المعاد

هجد الساهرون حولك للتمريض
 ويح لأعين الهجاد

أنت من أسرة مضوا غير مغرورين
 من عيشة بذات ضماد

- التفت الى مخاطبة المرثى ، تقضى : انقطع او انتهى.
هجد: سهر ، الضماد : ان تتخذ المراة خليلين و ارد بذات الضماد الدنيا.

لا بغيركم الصعيد و كونوا فيه
 مثل السيوف فى الاغماد

فعزيز على خلط الليالى
رم اقدامكم برم الهوادى

كنت خل الصبا فلما أرد البين
 وافقت رأيه فى المراد

- الرم : العظام الباليه ، الهوادى : الاعناق.
الضمير فى ارد عائد الى الصبا.

و رأيت الوفاء للصاحب الاول
من شيمة الكريم الجواد

و خلعت الشباب غضا
فيا ليتك أبليته مع الانداد

فاذهبا خير ذاهبين حقيقين
بسقيا روائح و غواد

- فاذهبا : ثنى الضمير لانه يخاطب الصبا و المرثى. 
و مراث ، لو انهم دموع
لمحون السطور فى الانشاد

زحل اشرف الكواكب دارا
من لقاء الردى على ميعاد

و لنار المريخ من حدثان الدهر مطف
 و ان علت فى اتقاد

و الثريا رهينة بافتراق الشمل
 حتى تعد فى الافراد

فليكن للمحسن الاجل الممدود
 رغما لانف الحساد

و ليطب عن اخيه نفسا
و ابناء اخيه جرائح الاكباد

- المحسن : اخو الميت ، و الشاعر يدعو له بطول البقاء.

وإذا البحر غاض عنى و لم أرو
فلا رى بادخار الثماد

كل بيت للهدمما تبتنى الورقاء
 و السيد الرفيع العماد

و الفتى ظاعن و يكفيه ظل السدر
 ضرب الاطناب و الاوتاد

بان امر الاله و اختلف الناس
 فداع الى ضلال و هاد

و الذى حارت البرية فيه
حيوان مستحدث من جماد

و اللبيب اللبيب من ليس يغتر
 بكون مصيره للفساد

- الثماد : الواحد ثمد و هو الماء القليل
السدر : شجرة النبق.
ارد بالحيوان المستحدث من جماد : ادم الذى جلبه الله تعالة من تراب.

Saturday, September 22, 2012

السقا مات - يوسف السباعى 1952


- رواية "السقا مات" للأديب المصرى يوسف السباعى صدرت لأول مرة عام 1952 ، و تم اختيارها من ضمن أفضل 105 رواية عربية فى قائمة نهائية اصدرها اتحاد الكتاب العرب بدمشق عام 2002.

- يرى النقاد أن رواية "السقا مات" ستبقى اجمل ما كتب "يوسف السباعى" و أروع ما ابدع و ستظل تحفته الباقية الى الابد.

- تدور الفكرة الرئيسية للرواية فى اطار فلسفى عن فكرة الموت ، استطاع الكاتب ان يرسم شخصيات الرواية رسما ساحرا دقيقا تجعلنا نشعر بها و كأنها تتنفس و تعيش بيننا.

- يأخذنا الراوى فى رحلة الى زمن مضى من عشرينيات القرن الماضى من العام 1921 فى احدى ربوع مصر المحروسة ، تحديدا فى حى "الحسينية" و الذى يعتبر اشهر علاماتها ، صنبور المياه الحكومى، القائم فى احدى زوايا درب السماكين ، و الذى يقع امام كشك صغير تربع فيه "سيد الدنك" .. المانح المانع ، الاَمر الناهى فى مياه الحى.

- يبدأ الكاتب فى وصف مسرح القصة من أزقة و حوارى و دروب و حوانيت و بائعين و يصل الى شارع القصاصين الذى ينتهى بضريح صغير منعزل هو ضريح "ابن هشام" حيث ازيل ما حوله من قبور لتوسيع الساحة و بقى هو قائما وحده ليدل على سخف الاحياء فى التفريق بين قيم الاموات الذى سواهم الله فى باطن الارض.

- ويستمر الكاتب فى وصفه للمكان من "درب السماكين" الدرب الموازى لشارع الحسينية ، الى مستوقد الحسينية القائم فى ظهره حمام الحسينية ليصل بنا الى منزل ضخم شامخ مهجور استؤجر ما بقى صالحا للسكنى فيه كمخزن كتب.

- و نرى صبى "السقا" يحمل قربة على ظهره و يصب مياهها حول شجرة "التمر حنة" العالية المورقة ، التى هى كل ما تبقى من الحديقة البائدة التى كانت تشغل فناء المنزل الشامخ.

- هذا هو مسرح القصة كما يبدو الان .. خرب مهدم ، شئ واحد لم يتغير منذ ثلاثين عاما .. ذلك الصبى "السقا" و شجرة "التمر حنة".

- و يبدأ الكاتب بالعودة بنا الى الوراء ثلاثين عاما مضت ثم نتوقف لنرى الصبى و الشجرة كما هما و لكن كل ما حولهما قد تبدل .. فجعلت قدمه جدة و موته حياة. فلن نعد فى مخزن الكتب بل اصبح المكان كما كان .. اصبح "السراية الكبيرة" احدى القصور لأحد العظماء ، و رجعت الحديقة الى قمة مجدها ، و نرى الصبى "سيد الدنك" الذى لم يتجاوز التاسعة من العمر يقوم بصب المياه حول شجرة "التمر حنة" بعدما قرر والده اخراجه من الكتاب و تعليمه صنعة السقا. لقد كان الصبى سعيدا بعمله لقد شعر انه اصبح فى مصاف الرجال.

- و "سيد" ذلك الطفل الذى تأسرنا شقاوته و روحه المرحه هو ابن المعلم "شوشه" "السقا" الذى يتميز بعبوسه و صمته الدائم بسبب حزنه اللا منتهى على وفاة زوجته الشابة ، كانت علاقة المعلم شوشه بإبنه علاقة بديعة ، فقد كان يعامله كأبن و صديق و ليس طفلا لم يتجاوز التاسعة من العمر فهو لا يسبه و لا يضربه ، و لكنه يبين له الخطأ و الصواب ، و يشرح له ما خفى عنه و ينصحه و يرشده ، فإذا ما أخطأ .. و هو غالبا ما يخطئ .. لأن الخطأ دائما احب و أسهل من الصواب ، لامه فى رفق ، فإذا قرره ، وهو غالبا ما يكرره ، زجره فى شدة .. فإذا لم يزدجر اوقع عليه عقابا نفسانيا .. كأن يخاصمه أو يحرمه من بعض مزايا الرجوله التى كان يمنحها له .. و لم يكن أقسى عليه من هذين العقابين.

- حاول "سيد" أن يبرر لوالده محاولته لسرقة "جوافاية" من حديقة السراية الكبيرة و محاولة اقناعه ان هذا لا يعتبر فى اطار السرقة و ان أهل السرايه ليسوا فى حاجة ماسة الى هذه الثمرة فكان رد "المعلم شوشة" عليه:-

- و لا أنت ايضا فى حاجة ماسة اليها ، و لكن المسأله أن الله و هبها لهم و لم يهبها لك .. و لكل ما وهبه الله .. و واجبنا فى الحياة ان نخلص فى عملنا ، و نتقبل بعين قريرة نتيجة هذا العمل.

- نحن اعجز من ان نحكم على حاجات سوانا .. ان فينا من الانانية مايعمينا الا عن حاجتنا .. فما من بشر يحس بحاجة غيره .. و ما من بشر يحس بالفائض عن حاجته .. فهو ابدا فى حاجة .. و غيره فى غير حاجة.

- يتعرف المعلم شوشه على "شحاته افندى" مطيباتي الجنازات ، كهلا لطيف الملامح ، بشوش الوجه ، محب للحياه ، يسحره الجنس الناعم بجميع اصنافه و اشكاله ، يتحدث دائما بسخرية عن الموت و عن غرور و حقارة البشر:-

- اياك أن ترهب انسانا لمظهره و منصبه

.. اياك ان تروع بتلك الالقاب و تلك الثياب .. انها مهما ضخمت فلن تحوى فى طياتها سوى بشر ، و مهما ضخم البشر .. فماله الى جيفة نتنة . ليغتر ما شاء له الغرور ، و ليتكبر و ليتعاظم و يتعجرف . ليفعل كل شئ .. كل ما عليك ان تعطيه موعدا اقصاه بعد اعوام .. لتلقاه فى مقبرة و انظر كيف يبدو .. اسأله عن القابه و عن ثيابه و عن حراسه و عن امواله و عن سلطانه و عن جبروته و عن قوته ثم انظر بماذا يجيبك.

- ليس هناك احقر من البشر و لا اغفل . أهناك أشد غفلة من مخلوق يغفل عن نهايته ؟ أهناك أكثر غفلة من مخلوق يوقن من نهايته و لا يعتبر بها ؟

- هذا هو الموت يا صاحبى ، و هؤلاء هم البشر . نهاية طبيعية .. لمخلوقات غير طبيعية.


- يقوم "شحاته افندى" بالتفاوض مع القواد "شرف الدين" و يتفق على دفع مبلغ خمسون قرشا من اجل قضاء ليلة حمراء مع "عزيزة نوفل" ذات الجسد الممتلئ الملتف فى الملاءة التى انحسرت عن ثوب احمر انجليزى قد بدت منه ذراعان بيضاوان ناصعتا البياض ، و كشفت فتحة صدره عن ملتقى الثديين المكتنزيين المتوثبين .. و الوجه الابيض المستدير .. و الشفتان ملتهبتين حمراوين ، و العينان متسعتين داعيتين غامزتين .. فاذا ما ولت وجهها بدا ظهرها على قلة تفاصيله اشد تفصيلا و تفسيرا و اقناعا و اغراء و استدعاء. و بعد الاتفاق يبدأ الاستعداد لتلك الليلة فيذهب الى العطار و الجزار لاحضار بعض من المقويات الى جانب قطعة من الحشيش اخذها من الشيخ "سيد الخولى" و يذهب الى بيت "المعلم شوشة" و يبدأ فى تناول هذه الاشياء ، ثم يخلد الى النوم و عندما يحاول "المعلم شوشة" ايقاظه يكتشف انه قد فارق الحياة دون ان يحقق حلمه فى قضاء ليلة مع "عزيزة نوفل".

- لقد مات مشيع الجنازات و الساخر من الاموات

- كل شئ الى نهاية .. كلنا نعرف ذلك ، و لكن المصيبة اننا لا نعرف متى النهاية .. و لو عرفناها لكنا فى استقبالها اكثر شجاعة. ان الحياة حقيرة و لكننا من نفس معدنها .. كيف نعرض عنها و نحن أشد حقارة .. يا مشيع الموتى ما كان اقدرك على كشف الاحياء .. تالله ما سمعت اصدق من قولك : ليس هناك احقر و لا اغفل ...اهناك اشد غفلة من مخلوق يغفل عن نهايته ؟ اهناك اكثر غفلة من مخلوق يوقن من نهايته و لا يهيئ نفسه لها ؟ رحمة الله عليك .. فقد كنت على حكمتك اشد البشر غفلة.

- من المشاهد المؤثرة فى الرواية مشهد انهيار المعلم شوشة عندما هبط مع جثة "شحاته أفندى" الى داخل القبر و صدمت قدمه احدى الجماجم.

- كانت قرعة "شوشة" للجمجمة هى دقة الهزيمة .. لقد انهار الرجل تماما .. و جثا بالميت على الارض .. و دفن رأسه بين كفيه و اندفع فى نحيب حاد.

- لا .. لا .. ليست هذه العظام انقاضا كأنقاض الدمن ، انها قد تكون كذلك .. لو لم يكن فى صدورنا فؤاد يخفق و قلب يدق و ينبض .. اما و هذه تكمن فى حنايانا .. فما أعز البقايا و ما أكرم الانقاض .. انها اثار عزيز غاب ، و دلائل حبيب فقد.

- ايخفق القلب لشئ غير ملموس ؟ .. لرائحة سارية؟ أو لذكرى عابرة ؟ و لا يخفق لبقية ملموسة ضمها الثرى ، و اثر محسوس حوته الارض.

- و بدأ "المعلم شوشة" بالقيام بنفس مهنة "شحاته افندى" و ارتداء نفس البدله و السير فى الجنازات ، فى البدايه كان ينهار و يندفع فى بكاء حاد مما جعله محل سخرية من زملائه فى المهنة و بمرور الوقت استطاع ان ينتصر على مخاوفه و رهبته القديمة من الموت .. لقد بات يحتقر الموت و يحتقر اكثر منه الحياة.

- تعجب الناس فى البدايه من سيره فى الجنازات الا انهم اعتادوا على ذلك ، الا ابنه "سيد" الذى طلب منه عدم الذهاب الى الجنازات فوعده بتنفيذ طلبه ، و حكى له كيف تعرف على والدته فى "السراية الكبيرة " و هو يقوم بملأ حوض النافورة حين سألته ان يقوم بسقى "شجرة التمر حنة" و لم يكن هذا من ضمن عمله و اخبرته انها قد غرستها بيدها و هى عزيزة عليها فوعدها ان يداوم على سقيها و ان تجعل مسئوليتها فى عنقه.

- حكى له كيف تزوجا ، كيف ماتت و هى تلده ، كيف كان حاله عندما فقدها ... كان الدمع يستعصى ، فالباكى لابد ان يبكى عن ادراك ، اما انا فقد كنت من الصدمة فاقد الادراك .. حاولت انا الصبر و التجلد و استعنت بالصلاة و القراَن و وضعت ايات الصبر نصب عينى أقرؤها فى كل غدوة و روحة ، و لكن الصبر كان متعذرا و الوجيعة جاثمة على القلب تأبى فراقه.

- حكى له عن مدى تأثير دخول "شحاته أفندى " فى حياته و مدى تأثره بحديثه عن الموت:-

- انها مسألة ترويض لا اقل و لا اكثر .. ان كل حدث على الارض يهون بالتعود ، و عندما بدأ هو العمل فى الجنازات و مع الاموات عرف الكثير من الحقائق :

- لقد قلت لنفسى يا بنى انها ليست اول من يموت و لست اول من فقد زوجة و لا كنت بأول من يولد بلا ام .. هذه أشياء تحدث كثيرا فى الحياة ، فيجب الا ننظر اليها على انها ماَس قد خصنا بها القدر ، يجب ان نعرف ان هذا الأمر هو سنة الحياة و طبيعة الاشياء .. يجب الا نعتبرها مفاجأة .. بل نتقبلها بالصبر .. و نواصل السير لنقوم بواجبنا حتى يصيبنا قضاء الله.


- بهذا وحده احسست بالاستقرار و السكينة .. و لكن ليس بالنسيان .. لولا ذلك القلب النائح بين الضلوع الباكى فى الحنايا ، و الذى لا يقتنع بمنطق و لا يسلم بعقل و لا يحتمل صبرا .. اننى لم انسها رغم اكتشافى لحقيقة الموت و الحياة .. لقد كنت اشيعها فى كل جنازة اسير امامها ، انى احس بمتعة فى تشييع الجنازات .. فهى تقربنى اليها و تهون على نفسى مسأله الموت و تعدنى لاستقباله غير وجل و لا هياب ، و عندما تهون علي الإنسان النهاية.. تهون الحياة.

- و  يموت المعلم شوشة اثر انهيار البيت و هو بداخله و يترك ابنه الوحيد مع جدته العمياء ليرسم لنا الكاتب مشهدا فريدا من نوعه من اكثر المشاهد تاثيرا على النفس ، حين يقوم "سيد" الطفل ذو التسع سنوات بارتداء بدله الافندية ليتقدم جنازة أبيه.

- فوجئ القوم و هم يرون قزما ، يهرول فى بدله سوداء فضفاضة و طربوش قد غطى اذنيه و كاد يغطى عينيه ، و قد اندفع يعدو حاملا القمقم ، متخذا مكانه امام النعش.

- و ازاح "سيد" الطربوش الواسع عن عينيه ، و قد بدا عليه التجلد و الصبر و الهدوء و الايمان و قال فى صوت هادئ و كأنه يردد قطعة محفوطات حفظها عن ظهر قلب:

- انى أود أن أكرمه .. كما أكرم سواه .. و أنا لست حزينا .. أنه ليس بأول أب يموت .. و لا كنت بأول يتيم يفقد أباه .. هذه أشياء تحدث كثيرا فى الحياة ، فيجب الا ننظر اليها على انها ماَس قد خصنا بها القدر ، يجب ان نعرف ان هذه هى سنة الحياة و طبيعة الاحداث فيها .. يجب الا نعتبرها مفاجأة .. بل نتقبلها بصبر .. و الصابرين فى البأساء و الضراء و حين البأس أولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتقون . يجب ان نصبر و نواصل السير فى الحياة لنقوم بواجبنا نحو الخالق و المخلوقات .. حتى يصيبنا قضاء الله.

- ما اوهى خيط الحياة .. و اضعف مادة الاحياء

و حل "سيد" محل ابيه فى عمله ، و مرت الايام و الصبى يسير فى الحياة حاملا عبئها بجلد و صبر قائما بواجبه نحو الخالق و المخلوقات ، و لم ينس يوما ، واجبه نحو شئ عزيز .. كان يرى فيه .. صورة الغائبين .. لم ينس يوما سقية التمر حنة. و ماتت جدته و اضحى "سيد" رجلا و تزوج و انجب ولدا ، و فى كل صباح يحمل صبيه القربة الصغيرة ليسقى الشجرة العزيزة. و فى الكشك الخشبى جلس "سيد" جلسته منذ ثلاثين عاما و وراءه قد علق لافته "و الصابرين فى البأساء و الضراء و حين البأس أولئك الذين صدقوا و اولئك هم المتقون"

Wednesday, September 19, 2012

و أوشك أعبده - يوسف السباعى

- يا لائمى فى الهوى ، أرح من اللوم نفسك . أنا مجنون ، فلا تضع وقتك معى عبثا .. انا سعيد بأحزانى و لوعتى و اشجانى ، فدعنى أعب منها ما استطعت فقد استغستها و روضت عليها نفسى ، حنى باتت جزءا من كيانى. دع عنك لومى ، فقد تعودت البكاء ، و ملت اليه.

ان القلب لن يضجع ، و الفؤاد لن يهجع .. فقد أقسما الا يغمض لهما جفن بعد رقدتها الاخيرة ، و ان يرعياها فى ضجعتها بين الثرى بعين الحب و الشوق التى ظلت كليلة عنها حتى رحلت.

اجل .. انى سأعوضها وفاء عن طول وفائها ، و حبا عن عظيم حبها .. علها تغفر لى فى قبرها ما بدر منى فى حياتها من اهمال و اعراض و تجاهل و انكار. 

لا تقل ان حبى سيراق على عظام نخرة و قبر بقفرة. لا تقل انى لن اجد له مجاوبة او ردا ، فما كان ذلك ليثنينى عن حبى لها . ألم تكن هى تحبنى دون ان تنتظر منى مجاوبة و لا ردا؟

ان حبى لها لا يطلب ردا ، فهو نفسه رد لندائها الضائع المتبدد ، انه صدى لحنينها الصامت و رجع لصبابتها الذاهبة.

انا لا ارجو من حبى شيئا .. فقد سبق ان اخذت عوضا عنه دون ان اشعر .. انى ارد به دينا قديما.

انى اجلس فى سكون الليل الحالك المدلهم ، صامت اللسان ، صاخب الحشا ، أرقب نافذتها المظلمة التى طالما راقبتنى من خلالها.

انى لاحيا على ما مضى .. على وريقات خلفتها لى بعد ان وضعت فيها عصارة روحها و ذوب نفسها و قلبها ، أقلبها بين يدى و أضمها الى صدرى فأجد فيها عزاء جميلا .. و يستبد بى الحنين فأبصرها من خلال الورق .. و أسمعها فى هديل الورق ، و أبيت و الغائب الحاضر فى خلوة ممتعة هنيئة ، لا يشوبها عاذل و لا يقطعها رقيب .. سوى نسمة تعبر ، أو طير يرف.

انى لأقراها المرة بعد المرة ، و انا جاثم فى خلوتى اتطلع الى مقرها السابق من النافذة المغلقة .. ما مللت قط من القراءة او النظر.

لقد حفظتها عن ظهر قلب ، و باتت كل كلمة منها ، بل كل حرف ، منقوشا فى ذهنى و فى قلبى ، كأنها كلام الله فى قلب المؤمن.

و انى لاستطيع تلاوتها و انا مغمض العينين ، و أترنم بها كاللحن الجميل و الاغنية الساحرة.

* يوسف السباعى (1917 : 1978)
* من قصة "و أوشك أعبده" من المجموعة القصصية "أغنيات" 1951. 

أه لو كنت معى - يوسف السباعى


- اكره ان انساك يا حلوة الروح .. فأنى بغير ذكراك يابس القلب جامد الحس كأنى حطبة أو حجر .أبعد كل هذه السنين التى ولت و العمر الذى انقضى .. و بعد كل هذا الزمن خلته قد طواك .. لا أكاد اخلو الى نفسى فى بهمة الليل و سكونه حتى يساورنى طيفك الرقيق ، فأكاد أشتم من النسيم عبقك العطر ، و أكاد أسمع من حفيف الورق همسك الحنون و هتافك العذب "اه لو كنت معى".
انا معك دائما .. معك فى كل حين .. و فى كل زمان و مكان .. على الربى و فى الرياض  ، و بين الامواج و فوق الرمال .. بين الزهور و بين القبور .. فى الحياة و فى الممات.

* يوسف السباعى (1917 : 1978)
* من قصة "اه لو كنت معى"  من المجموعة القصصية "أغنيات" 1951.

خبايا الصدور - يوسف السباعى

"اه من هؤلاء البشر .. و اه من خبايا صدورهم .. لو استطعنا ان نخترق حجبها .. لولينا منهم فرارا .. و لملئنا منهم رعبا"

* يوسف السباعى
* (من قصة "خبايا الصدور" من المجموعة القصصية "خبايا الصدور" 1948)

شبح فى فراش - يوسف السباعى

" يا صاحبى ان الحياة هى الحب .. و لا شئ غير ذلك .. فأن فقدت الحب فقد فقدت الحياة .. و اذا عشت بغير حب فكأنك لم تعيش .. و خير للأنسان ان يحب يوما و يموت بعده ، من أن يعيش دهرا دون ان يطرق الحب قلبه."

* (من قصة "شبح فى فراش" من المجموعة القصصية"العالم المجهول" 1949)

Pierre Bachelet - Elle est d'ailleurs

 * French Singer Pierre Bachelet (1944:2005).

   Elle a de ces longues mains de dentellière
A damner l'âme d'un vermeer

Cette silhouette vénitienne
Quand elle se penche à ses persiennes
Ce geste je le sais par coeur
Pour moi c'est sûr, elle est d'ailleurs 
*********** 
Dutch Painter 
  Johannes Vermeer (1632:1675)
 The Lacemaker (1669-1670)

 Louvre, Paris
***********
she has those long hands
of a lace maker
that would condemn the soul
of a vermeer painting
this venetian silhouette
when she leans towards her blinds
that gesture that i know by heart
for me, it's sure, she's from elsewhere
*********** 
لديها هذه الاصابع الطويلة
التى تشبه اصابع صانعة الدانتيلا
تبهت روح لوحة فيرمير أمامها
هذا الطيف الفينيسى
حين تنعطف على ستائرها
هذا الانعطاف أحفظه على ظهر قلب
بالنسبة لى أنا متأكد إنها من مكان اخر