رمبرانت (1606- 1669)
- والراجح أن رمبرانت دوناً عن سائر إخوته قد تحول عن الكاثوليكية إلى البروتستانتية، وكان والداه ميسوري الحال وخاصة أمه فهيآ له أفضل ما يمكن أن تقدمه مدينة ليدن من فرص التعليم إلى أن التحق بجامعتها وهو في الرابعة عشرة من عمره.
- وكان واضحاً أن أسرته تعده لمهنة أفضل من مهنة أبيه، غير أن رمبرانت لم يلبث بعد شهور قليلة أن ترك الجامعة ليدرس التصوير. وكان المصور بيتر لاستمان الذي تتلمذ عليه رمبرانت في عام 1624 بأمستردام - أشهر مصوري هولندا وقتذاك - هو الأستاذ الوحيد الذي خلف بصمات لا تمحى على أسلوب رمبرانت المبكر وتقنيته، الذي لم يفته مع ذلك الانبهار بإنجازات روبنز الأرستقراطية النزعة.
- ولسبب أو لآخر ضاق رمبرانت ذرعاً بأسلوب الفن الهولندي في مطلع القرن السابع عشر، فقد كانت صور لاستمان التي تثير العواطف وتستهوي النفوس وصور روبنز الدرامية الشديدة البراعة هي الإرث الفني الذي آل إليه، فعقد العزم منذ البداية على أن يتفادى التأثر بهما، وما كاد يبلغ التاسعة عشرة من عمره حتى عكف على استنباط أسلوب مميز متفرد خاص به وحده ويعبر من خلاله عن مكنون ذاته وكنوز خياله.
Self Portrait at the Age of 63 - 1669
The National Gallery
London , United Kingdom
|
- وما إن بلغ رمبرانت العشرين من عمره حتى شاعت شهرته وتوافد عليه هواة اقتناء الصور، وما لبث أن اكتشف أن السوق المناسبة لبيع صوره ليست ليدن بل هي أمستردام حيث أصاب مغانم كثيرة ونعم في شبابه بما لم يتذوقه فنان في مثل سنه الغضة، فتزوج بساسكيا، وهي سيدة تنتمي إلى إحدى الأسر الغنية العريقة واستغرق الاحتفال بالزفاف سبعة أيام متصلة. وبمرور الوقت انقطعت صلة رمبرانت بعشيرته التي نشأ بينها في مدينة ليدن بعد أن أصبح ثمة تفاوت كبير بينه وبينها، وذاع صيته محلقاً عالياً فوق سائر المصورين الهولنديين لما كان يتصف به من سعة في الأفق وأمانة لا تقبل المساومة بما تنطوي عليه من مثل وقيم رفيعة.
- وشأن بقية معاصريه المصورين اهتم أول ما اهتم بصور البورتريه ومناظر الحياة اليومية وقصص الكتاب المقدس والأساطير، لكنه على خلافهم جميعاً أبى أن يقصر جهوده على واحد من هذه الموضوعات، ونجح أيما نجاح في كل ما تناوله من تصوير فضلاً عن أنه أضفى عمقاً سيكولوجياً جديداً على بورتريهاته، وأسبغ على مشاهد الحياة اليومية حركة غير مألوفة، وأثرى صوره الدينية بنبرة درامية مثيرة، كما أكسب مناظره الطبيعية رحابة لم يعهدها مصورو الشمال من قبل.
- أما اكتشافاته في مجال أثر الضوء بكافة درجاته على توضيح أحاسيس شخوصه الظاهرة والباطنة، وعلى تحديد الفراغ من خلال تداخل درجات الضوء في بعضها البعض، وعلى بث الحياة في هذا الفراغ من خلال الحركة المتدفقة للظلال، فقد تضافرت جميعاً لتضعه على رأس قائمة مصوري الباروك في شمال أوربا.
* المصدر:-
فنون عصر النهضة . د. ثروت عكاشة.
No comments:
Post a Comment