Wednesday, September 26, 2012

قصيدة ضجعة الموت رقدة - أبو العلاء المعرى

ضجعة الموت رقدة من ديوان سقط الزند يرثى فيها فقيها حنفيا

تمثال أبو العلاء المعرى
مدينة معرة النعمان
أدلب - سوريا
- أبو العلاء المعري شاعر الفلاسفة و فيلسوف الشعراء (973 : 1057) هو صاحب "رسالة الغفران" التى أثرت فى رجال الغرب قبل الشرق هو أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي المعري (363 هـ - 449 هـ)، (973 -1057م)، شاعر وفيلسوف وأديب عربي من العصر العباسي، ولد وتوفي في معرة النعمان في الشمال السوري. لقب بـرهين المحبسين بعد أن اعتزل الناس لبعض الوقت .

- فقد بصره في الرابعة من العمر نتيجة لمرض الجدري. بدأ يقرض الشعر في سن مبكرة حوالي الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره في بلدته معرة النعمان ،عاش المعري بعد اعتزاله زاهداً في الدنيا، معرضاً عن لذاتها، لا يأكل لحم الحيوان حتى قيل أنه لم يأكل اللحم 45 سنة، ولا ما ينتجه من سمن ولبن أو بيض وعسل، ولا يلبس من الثياب إلا الخشن ، حتى توفي عن عمر يناهز 86 عاماً، ودفن في منزله بمعرة النعمان.

- يرثى "ابو العلاء المعرى" فى قصيدة ضجعة الموت رقدة الفقيه أبى حمزة الذى توفى فى شبابه.

- قال أديب العربية طه حسين عن تلك القصيدة : (أعتقد أن العرب لم ينظموا في جاهليتهم وإسلامهم، ولا في بداوتهم وحضارتهم قصيدة تبلغ مبلغ هذه القصيدة في حسن الرثاء).

- و قال عنهاالعقاد : (لم ينظم مثلها في لغة العرب، ولا نذكر أننا اطلعنا في شعر العرب على خير منها في موضوعها).

القصيدة

غير مجد، فى ملتى و اعتقادىى
نوح باك و لا ترنم شاد

و شبيه صوت النعى
إذا قيس بصوت البشير فى كل ناد

أبكت تلكم الحمامة
أم غنت على فرع غصنها المياد

صاح ! هذى قبورنا تملأ الرحب
فأين القبور من عهد عاد

خفف الوطء !
ما أظن أديم الارض إلا من هذه الأجساد

و قبيح بنا ، و إن قدم العهد
هوان الاَباء و الأجداد

سر إن اسطعت فى الهواء رويدا
لا اختيالا على رفات العباد

رب لحدا قد صار لحدا مرارا
ضاحك من تزاحم الأضداد

و دفين على بقايا دفين
فى طويل الأزمان و الاَباد

فاسأل الفرقدين
عمن أحسا من قبيل و اَنسا من بلاد

كم أقاما على زوال نهار
و أنارا لمدلج فى سواد
 
تعب كلها الحياة
فما أعجب إلا من راغب فى ازدياد

إن حزنا فى ساعة الموت
أضعاف سرور فى ساعة الميلاد

خلق الناس للبقاء
فضلت امة يحسبونهم للنفاد

إنما ينقلون من دار أعمال
 إلى دار شقوة أو رشاد

ضجعة الموت رقدة يستريح الجسم فيها
 و العيش مثل السهاد

أبنات الهديل أسعدن
أو عدن قليل العزاء بالإسعاد

إيه ! لله دركن
فأنتن اللواتى تحسن حفظ الوداد

ما نسيتن هالكا فى الاوان الخال
أودى من قبل هلك إياد

- الهديل هو ذكر الحمام وقيل انه طائر كان على عهد نوح عليه السلام صاده جارح من الطير فما من حمامة الا وهي تبكي عليه الى اليوم وهذا من خرافات العرب.

- قبيلة إياد أقدم قبائل العرب التى سكنت العراق و قد اجلالهم كسرى عن ديارهم ، و اياد هو الابن الثالث من أولاد نزار بن معد بن عدنان و هو الجد الثامن عشر للنبى محمد عليه السلام ، فنسب نبينا الكريم المتفق على صحته هو :-

- سيدنا ونبينا محمد سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن حكيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

- وقد نقلت لنا الرويات والسير مسير اياد مع اخوته الى نجران للتحكيم حول قضية الارث الذي لحقه من أبيه نزار وما جرى له ولاخوته من مواقف طريفة وأقوال تنم عن ذكاء وفطنة فطرية.

بيد أنى لا أرتضى ما فعلتن
و أطواقكن فى الأجياد

فتسلبن و استعرن جمعيا
من قميص الدجى ثياب حداد

ثم غردن فى الماَتم
و اندبن بشجو مع الغوانى الخراد

- يقول لهن ان من علامات الحزن نزع الحلى ، و انتن ما تزال أطواقكن فى أعناقكن ، و الاطواق نوع من الحلى ، و الثكل يقضى بنزعها ، فتسلبن ، تسلبت المراة الثكلى اى نزعت ثيابها و لبست سوادا ، و الخراد هم الحسان و الواحدة خريدة.

قصد الدهر من أبى حمزة الاواب
مولى حجى و خدن اقتصاد

و فقيها أفكاره شدن للنعمان
مالم يشده شعر زياد

فالعراقى بعده للحجازى
قليل الخلاف سهل القياد

و خطيبا لو قام بين وحوش
 علم الضاريات بر النقاد

- الاواب : الراجع الى الله ، الحجى : العقل ، الخدن : الصديق ، الاقتصاد: ضد الاسراف.

- النعمان فهو الفقيه ابو حنيفة ، اما زياد فهو النابغة الذبيانى مداح النعمان بن المنذر ، اى انه شاد للنعمان الفقيه من الذكر و الشرف بلطف افكاره ، مالم يشذه النابغة للنعمان الممدوح بحسن اشعاره فى مدحة ثلاثة ملوك بهذا الاسم.

- العراقى : أبو حنيفة ، الحجازى : الشافعى احد اصحاب المذاهب الفقهية.
النقاد : صغار الغنم

راويا للحديث لم يحوج المعروف
 من صدقه الى الأسناد

أنفق العمر ناسكا يطلب العلم
 بكشف عن أصله ، و انتقاد

 مستقى الكف من قليب زجاج
بغروب اليراع ، ماء مداد

ذا بنان ، لا تلمس الذهب لاحمر
زهدا فى العسجد المستفاد

القليب : البئر و قليب الزجاج أرد به المحبرة. الغروب : الواحد غرب : الدلو ، اليراع : القلم ، المداد : الحبر.
العسجد : الذهب ، المستفاد : المكتسب.

ودعا ، أيها الحفيان
ذاك الشخص إن الوداع أيسر زاد

و اغسلاه بالدمع ان كان طهرا
و ادفناه بين الحشا و الفؤاد

و احبواه الأكفان من ورق المصحف
كبرا عن أنفس الأبراد

و اتلوا النعش بالقراءة و التسبيح
لا بالنحيب و التعداد

- الحفى : الصاحب المبالغ فى الحفاوة و العناية.
احبواه : اعطياه . الابراد : الواحد برد و هو الثوب
اتلوا : شيعا.

اسف غير نافع و اجتهاد
لا يؤدى الى غناء اجتهاد

طالما اخرج الحزين جوى الحزن
 الى غير لائق بالسداد

مثل ما فاتت الصلاة سليمان
فأنحى على رقاب الجياد

و هو من سخرت له الانس و الجن
 بما صح من شهادة صاد

- قوله فاتته الصلاة : أن سليمان ابن داود كان قد تشاغل بعرض الخيل التى أصابها حين غزا أهل نصبييين و دمشق ، و عددها الف فرس ، و قيل بل خرجت من البحر لها أجنحة ،  فقعد يوما بعد ما صلى الأولى على كرسيه واستعرضها ، فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس ، و غفل عن العصر ، فاغتم لما فاته ،  فاستردها وعقرها مقربا لله تعالى ، و بقيت مائة ، فما فى ايدى الناس من الجياد فمن نسلها.

- يستوحى الحكاية القرانية فى الاية الكريمة:-
"إنى أحببت حب الخير عن ذكر ربى حتى توارت بالحجاب ، ردوها علىّ وطفق مسحا بالسوق والأعناق".
أما صاد فهى السورة رقم ( ٣٨ ) فى القران الكريم.

خاف غدر الانام فاستودع الريح
 سليلا تغدوه در العهاد

و توخى له النجاة
و قد أيقن ان الحمام بالمرصاد

فرمته به الى جانب الكرسى
 أم اللهيم أخت الناد

- يستوحى الحكاية من الآية الكريمة:  " ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب "
يذكر التبريزى أن سليمان كان يؤثر أن يكون له أولاد فلم يرزق إلا واحدا ، فخشى عليه الآفات ، ولم يثق بأحد من الناس أن يسلمه اليه ، فدفعه الى الريح لتغدوه و تربيه ،  فذكروا أن الريح حضنته تغدوه تر العهاد و هى الأمطار التى يتبع بعضها بعضا   وأنها ألقته على كرسيه جسدا ، أى شيطانا ، وقيل ملكا أو ميتا ولم ينفع بحذره عليه ، كما استوحى  النص القرآنى " ان ربك لبالمرصاد" ، أما أم اللهيم و الناد فمن اسماء الداهية او كنية الموت لالتهامه الخلق و يريد ان الريح لم ترد الموت عن ولد سليمان.

كيف اصبحت فى محلك بعدى
يا جديرا منى بحسن افتقاد

قد اقر الطبيب عنك بعجز
و تقضى تردد العواد

وانتهى اليأس منك و استشعر الوجد
 بأن لا معاد حتى المعاد

هجد الساهرون حولك للتمريض
 ويح لأعين الهجاد

أنت من أسرة مضوا غير مغرورين
 من عيشة بذات ضماد

- التفت الى مخاطبة المرثى ، تقضى : انقطع او انتهى.
هجد: سهر ، الضماد : ان تتخذ المراة خليلين و ارد بذات الضماد الدنيا.

لا بغيركم الصعيد و كونوا فيه
 مثل السيوف فى الاغماد

فعزيز على خلط الليالى
رم اقدامكم برم الهوادى

كنت خل الصبا فلما أرد البين
 وافقت رأيه فى المراد

- الرم : العظام الباليه ، الهوادى : الاعناق.
الضمير فى ارد عائد الى الصبا.

و رأيت الوفاء للصاحب الاول
من شيمة الكريم الجواد

و خلعت الشباب غضا
فيا ليتك أبليته مع الانداد

فاذهبا خير ذاهبين حقيقين
بسقيا روائح و غواد

- فاذهبا : ثنى الضمير لانه يخاطب الصبا و المرثى. 
و مراث ، لو انهم دموع
لمحون السطور فى الانشاد

زحل اشرف الكواكب دارا
من لقاء الردى على ميعاد

و لنار المريخ من حدثان الدهر مطف
 و ان علت فى اتقاد

و الثريا رهينة بافتراق الشمل
 حتى تعد فى الافراد

فليكن للمحسن الاجل الممدود
 رغما لانف الحساد

و ليطب عن اخيه نفسا
و ابناء اخيه جرائح الاكباد

- المحسن : اخو الميت ، و الشاعر يدعو له بطول البقاء.

وإذا البحر غاض عنى و لم أرو
فلا رى بادخار الثماد

كل بيت للهدمما تبتنى الورقاء
 و السيد الرفيع العماد

و الفتى ظاعن و يكفيه ظل السدر
 ضرب الاطناب و الاوتاد

بان امر الاله و اختلف الناس
 فداع الى ضلال و هاد

و الذى حارت البرية فيه
حيوان مستحدث من جماد

و اللبيب اللبيب من ليس يغتر
 بكون مصيره للفساد

- الثماد : الواحد ثمد و هو الماء القليل
السدر : شجرة النبق.
ارد بالحيوان المستحدث من جماد : ادم الذى جلبه الله تعالة من تراب.

No comments:

Post a Comment